لقد
كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مرة واحدة فقط ففزع
لذلك فزعاً عظيما وقام إلى المسجد وبعث منادي ينادي الصلاة جامعة فاجتمع
الناس وصلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة غريبة لا نظير لها في الصلوات
المعتادة كما أن الكسوف لا نظير له في جريان الشمس والقمر المعتاد فهي آية
شرعية لآية كونية صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين
في كل ركعة ركوعان وقراءتان يجهر بهما صلاها بدون أذان ولا إقامة فكبر
وقرأ الفاتحة ثم قرأ سورة طويلة نحو سورة البقرة ثم ركع ركوعاً طويلاً جداً
قدره بعض أهل العلم بأن يسبح مائة مرة ثم رفع رأسه و قال سمع الله لمن
حمده ربنا ولك الحمد ثم قرأ قراءةً طويلة دون الأولى ثم ركع ركوعاً طويلاً
دون الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقام قياماً طويلاً نحو
ركوعه ثم سجد سجوداً طويلاً نحو ركوعه ثم جلس بين السجدتين جلوساً طويلاً
نحو سجوده ثم سجد سجوداً طويلاً نحو سجوده الأول ثم قام للركعة الثانية
فصلاها كما صلى الركعة الأولى إلا أنها دونها في القراءة والركوع والسجود
والقيام والقعود ثم تشهد وسلم ثم خطب خطبةً عظيمة بليغة فحمد الله
وأثنى عليه وأخبر أن الشمس والقمر آيتان من آية الله لا ينخسفان لموت أحد
ولا لحياته ولكن الله يخوف بهما عباده فإذا رأيتموهما يعني خاسفين فأفزعوا
إلى الصلاة وفي رواية فأفزعوا إلى المساجد وفي أخرى فأفزعوا إلى ذكر الله
ودعائه واستغفاره وفي رواية فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا حتى ينجلي
وقال صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: يا أمة محمد والله لو تعلمون ما
أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما من شيء توعدونه إلا أريته في مقامي
هذا أو قال صلاتي هذه ولقد أوحي إلي إنكم تفتنون في قبوركم قريباً أو مثل
فتنة الدجال ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر وقال في هذه الخطبة ولقد
جيء بالنار يحطم بعضها بعضاً وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصبني من
لفحها حتى رأيت فيها عمر بن لحي يجر كثبه في النار يعني أمعائه ثم جيء
بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي هذا ولقد مددت يدي أريد
أن أتناول من ثمرها لتنظر إليه ثم بدأ لي أن لا أفعل أيها المسلمون هكذا
فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا فزع وأمر بالفزع وهكذا عرض عليه في
مقامه ما عرض من أمور الآخرة وهكذا خطب أمته تلك الخطبة العظيمة البالغة
فمتى رأيتم كسوف الشمس في أية ساعة من ساعات النهار في أول النهار أو أوسطه
أو أخره ولو قبيل الغروب فأفزعوا إلى ما أمرتم بالفزع إليه من الدعاء
والذكر والتكبير والاستغفار والصدقة والصلاة ونادوا لها ، الصلاة جامعة
بدون تكبير وكرروه بقدر ما ينتبه الناس ويسمعون وصلوا كما صلى نبيكم محمد
صلى الله عليه وسلم ركعتين في كل ركعة ركوعان وقراءتان تجهرون بهما ثم
ذكروا الناس وانصحوهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتى رأيتم
خسوف القمر في أي وقت فأفزعوا إلى هذا أيضاً فإذا انقضت الصلاة والكسوف
باقي فاشتغلوا بالدعاء والاستغفار والقراءة حتى ينجلي وفقنا الله وإياكم
بالعمل لما يرضيه وجنبنا أسباب سخطه ومعاصيه وجعلنا ممن يتعظون بآياته
ويسعون إلى مرضاته إنه جواد كريم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..